منتدى أهل الدعاء والذكر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب الدعاء(1)

اذهب الى الأسفل

أدب الدعاء(1) Empty أدب الدعاء(1)

مُساهمة من طرف Admin الإثنين يناير 13, 2014 6:28 am

أدب الدعاء
الشيخ طه محمد الساكت


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: ((يستجاب لأحدكم ما لم يَعجَل؛ يقول: دعوتُ ربي فلم يستجب لي))؛ رواه الشيخان[2].



كما أدَّب النبيَّ ربُّه فأحسَنَ تأديبه، وهذَّبه فأكمل تهذيبه، علَّم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه فأحسَن تعليمَها، وزكاها فأجمَل تزكيتها.



وهذا أدبٌ من أمهات الآداب التي يلقِّنها النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه؛ ليأخذوا أنفسهم بها حين يَدْعون ربَّهم، ويسألونه من فضله؛ حتى يكون دعاؤهم حقيقًا بالقَبُول، جديرًا بالاستجابة.



ومن الخير ألا نعجل بتبيان هذا الأدب وما إليه، من قبل أن نبيِّن ما هو الدعاء في لسان الشرع، وما مكانه من هذا الدين الحنيف.



معنى الدعاء:

عدَّ العلماء للدعاء معانيَ تَرجع في جملتها إلى معنيَيْنِ: العبادة، والمسألة؛ وقالوا: إنَّ الإجابة على المعنى الأول هي الجزاء والإثابة، وعلى المعنى الثاني هي: إيتاء العبد ما طلَب.



وبالمعنيين جميعًا فُسِّر قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، وقوله - جل شأنه -: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وهذا المعنى الأخير أكثر المعنيين شيوعًا، وهو المراد هنا.



والدعاء بهذا المعنى شُعبة من شُعَب الذِّكر، وركنٌ من أجلِّ أركانه؛ وهو عُنوان الخشوع والطاعة، ومناطُ الذِّلة والضَّراعة؛ ثم هو بعد ذلك مَظهر العبودية؛ لأنه كما روى الترمذي: ((مخُّ العبادة))[3].



آداب الدعاء:

أما آداب الدعاء فهي كثيرةٌ مبثوثة في السُّنة؛ من أهمها ما جاء في هذا الحديث، وهو:

أن يجتهد العبد في الدعاء، ويُكرِّره غير متعجَّل ولا مُستَبطئ؛ فإن الله تعالى لا تُعجِزه الإجابة، ولا يُنقِص خزائنَه العطاءُ؛ وكيف وقد قال - صلوات الله عليه - فيما يَرويه عن ربه - عز وجل -: ((يا عبادي، لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحدٍ مسألتَه، ما نقص ذلك مما عندي إلاكما ينقص المخيط إذا أُدخِل البحر))؛ رواه مسلم عن أبي ذر[4]؟



وفسَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - استعجالَ العبد بأن يقول بلسان الحال أو المقال - وبئس ما يقول -: دعوتُ ربي فلم يستجب لي! هذا فرارٌ من طريق العبوديَّة، ومغادرة لباب الربوبية؛ وأين هذا من مَقال بعض العارفين: "إني أسأل الله تعالى حاجة منذ عشرين سنة، ولا أزال أسأله إيّاها، وأنا أرجو الإجابة؛ سألتُه - عز وجل - أن يوفِّقني لترك ما لا يعنيني"[5]؟



السر في تأخير الإجابة:

وليس تأخير الإجابة دليلاً على ردِّ المسألة، ولا على هوان السائل؛ فقد تُؤخَّر لأسرار إلهيَّة يتجلَّى للعبد بعضها، فيعلم أنَّ الله أراد به خيرًا، أو دفَع عنه شرًّا؛ وقد تؤخَّر؛ ليَرفع الله درجتَه، ويُباهي به ملائكته؛ ففي بعض الآثار: ((أنَّ العبد إذا دعا ربَّه، وهو يحبه قال: يا جبريل: لا تعجَل بقضاء حاجة عبدي، فإني أحبُّ أن أسمع صوته))[6]، فليُكثِر العبد من دعاء ربِّه، وليحذر أن يضرب له مثلاً من خَلْقه؛ فإنه لا يستوي مَن يغضب حين يُسأل، ومَن يغضب حين لا يُسأل[7].



أسباب الإجابة:

ومن أهمها أن يكون صادق النيَّة، حاضر القلب، مخلصًا في الدعاء، موقِنًا بالإجابة؛ فإن الله تعالى لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاه[8].



وقد روى الشيخان عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دعا أحدكم، فلْيَعزِم في الدعاء، ولا يقل: اللهم إن شئتَ فأعطني؛ فإن الله لا مُستكرِهَ له))[9].



وإنما كُرهت المشيئة في الدعاء - وإن حُمِدَت في غيره - لأنها تُشعِر بالاستغناء عن المسؤول وضَعْف الثقة بإجابته؛ وحَقٌّ على مَن يضرع إلى مولاه أن يُحسِن الأدب، ويَجِد في الطلب، ويُعظم الرغبة؛ فإنه تعالى لا يتعاظَمه شيء، ثم لا يمنعه من صدق ظنِّه بربه ما يعلم من نفسه؛ فقد استجاب الله لشر الخلق إبليس: ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴾ [ص: 79 - 81].



ومَلاك الأمر[10] في إجابة الدعاء: تقوى الله، وصدْق معاملته، وحُسن الظن به.



قيل لإبراهيم بن أدهم: ما لنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ قال: "لأنكم عرَفتم الله فلم تطيعوه، وعرَفتم الرسول فلم تتَّبعوا سنَّته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله فلم تؤدُّوا شُكرها، وعرفتم الجنة فلم تَطلبوها، وعرفتم النار فلم تهرُبوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تُحارِبوه، وعرفتم الموت فلم تستعدُّوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس"[11].



الدعاء والقضاء:

ولا يَحولنَّ بين العبد وبين الجِد في الدعاء ما جرى به القلمُ، وسَبَق به القضاء[12]؛ فقد ربَط الله الأسباب بمسبباتها، والوسائل بغاياتها، وأمَرَ عبادَه بالدعاء؛ سببًا إلى الحاجات، ووسيلة إلى الرغبات، وكلٌّ مقدور في لوح مسطور، ومَن قَعَد عن الدعاء محتجًّا بالقضاء، فليقعد عن الأكل والشرب والسعي والعمل، أو يُفرِّق بين الأمرين بسلطان مبين.



ولو لم يكن من مزايا الدعاء إلا أنه عُنوان العبودية، ومفتاح باب الربوبية، لكفاه شرفًا وفضلاً، ولمَ لا يَسَعنا ما وسِع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان يُكثِر الدعاء، وله أدعية كثيرة مأثورة؟ وعلى نهْجه سار أصحابه والتابعون.



ألا إن الدعاء - كما جاء في الآثار - ينفع مما نزل ومما لم ينزل[13]، ومَن فُتِح له باب الدعاء فُتِحت له أبواب الرحمة[14].



تنوُّع الإجابة:

وكما قلنا آنفًا: ليس تأخير الإجابة دليلاً على ردِّ المسألة، نقول هنا: ليس من شرط الإجابة أن تُقضى حاجة العبد نفسُها؛ فقد يختار الله له خيرًا منها أو مثلها، وكثيرًا ما رأينا رَأيَ العين أن خِيرة الله خير، وكثيرًا ما نتمثَّل بقول الصوفية: "لو اطَّلعتم على الغيب، لرضيتُم بالواقع".



وقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رَحِم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يُعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يَصرِف عنه من السوء مِثلها))، قالوا: إذًا نُكثِر؟ قال: ((الله أكثر))[15].



فما من دعوة من مسلم إلا وهي مُستجابة، لا سيما الدعوات في الأوقاتِ الفاضلة، والفرص الكريمة؛ كالسجود، والأذان، وجوف الليل، وأدبار الصلوات، والخَلوة مع الله - عز وجل - غير أن الإجابة - كما يدل الحديث - تتنوَّع؛ فتارة تكون بما دعا به الداعي، وتارة تكون بعوضٍ منه.



الدعاء والتفويض:

وبعد، أيُّ المقامين أفضل: الدعاء والسؤال، أم السكوت والرضا؟

قيل: السكوت أفضل؛ لما فيه من التفويض والتسليم؛ وقيل: الدعاء أَوْلى وأَجمل؛ لأنه سُنن الأنبياء والمرسلين، وبرهان الخشوع والضّراعة لرب العالمين.



أفضل الأدعية:

والذي يَطمئنُّ إليه القلب في هذا الخلاف، أن خير الحالَين، وأعلى المقامين: ما خَلصت فيه النية، وصدقت فيه الرغبة؛ فقد يكون الدعاء أفضل، لا سيما المقترِن بالرضا، والممتزِج بالطمأنينة، والشامل في ظهر الغيب للإخوان والمسلمين، وقد يكون التسليم أفضل، لا سيما المخالِط لسكون القلب، وطمأنينته بذكر الله وجلاله، أكثر من دعائه وسؤاله؛ وهذا مُجمَل ما جاء في الحديث القدسي: ((مَن شغَله ذِكري عن مسألتي، أعطيتُه أفضلَ ما أعطي السائلين))[16].



وفيما علَّمنا الله ورسولُه الخير، والهداية كل الهداية، والكفاية كل الكفاية لمَن أحبَّ الله ورسوله.



المصدر: كتاب ذخائر السنة النبوية؛ جمعها ورتبها وعلق عليها الأستاذ مجد بن أحمد مكي

[1] مجلة الأزهر، العدد العاشر، المجلد الرابع عشر، شوال (1362 - 1944).
[2] أخرجه البخاري (6340) في كتاب الدعوات، ومسلم (2735)، في الذكر والدعاء.
[3] أخرجه الترمذي (3371)، من حديث أنس بن مالك، قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.
[4] أخرجه مسلم (2577)، والمِخيَط: الإبرة.
[5] ذكرها الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين (1 / 475).
[6] أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" 2: 966، برقم (1068)، ولفظه من حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن جبريل موكل بحاجات العباد، فإذا دعاه عبده المؤمن، قال له: يا جبريل، احبس حاجة عبدي هذا؛ فإني أحبه وأحب صوته، وإذا دعاه الكافر، قال: يا جبريل، اقضِ حاجة عبدي هذا؛ فإني أبغضه وأُبغِض صوته))، وفي إسناده الحسن بن قتيبة، وهو ضعيف.
[7] أخرجه الترمذي (3370)، والحاكم في المستدرك، 1: 491، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن لم يسأل الله، يغضب عليه)). وفي ذلك يقول الشاعر اللهُ يغضب إن تركتَ سؤالَه = وبُنَيُّ آدمَ حين يُسأل يَغضبُ
[8] اقتباس من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ادعو الله، وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلبٍ غافلٍ لاهٍ))؛ رواه الترمذي (3474)، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والطبراني في الدعاء (62)، والحاكم في المستدرك 1: 496، وقال: مستقيم الإسناد، وتعقَّبه الذهبي أن في إسناده صالحًا المري، وهو متروك، وذكره النووي في الأذكار رقم 1041، وقال عقِبَه: إسناده فيه ضعف، وقال المناوي في فيض القدير 1: 229: "فمَن زعم حُسنه فضلاً عن صحته، فقد جازف"، وفي الفتوحات الربانية (2: 177) قال ابن علان: له شاهد في مسند أحمد 2: 777 (6655)، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، انتهى، والشاهد بلفظ: ((القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله - عز وجل - أيها الناس، فاسألوه وأنتم موقِنون بالإجابة؛ فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلبٍ غافل))، وحسَّنه المنذري في الترغيب والترهيب 2: 491 (2459)، وقال الهيثمي في المجمع 10: 148: رواه أحمد وإسناده حسن، وضعَّفه محققو المسند 11: 235؛ لوجود ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ، وباقي رجاله رجال الصحيحين، غير أبي عبدالرحمن الحُبُلي فمن رجال مسلم. ومعنى الحديث صحيح؛ إذ لا بد مع الدعاء من حضور القلب والإيقان بالإجابة. قال الإمام الرازي - فيما نقله المناوي في "فيض القدير" (1: 229) -: أجمعتِ الأمة على أن الدعاء اللساني الخالي من الطلب النفساني قليلُ النفع، عديم الأثر.
[9] أخرجه البخاري (6338)، ومسلم (2678).
[10] ملاك الأمر - بفتح الميم ويكسر -: قوامه الذي يملك به.
[11] إحياء علوم الدين (3: 33)، كتاب شرح عجائب القلب، بيان تفصيل مداخل الشيطان إلى القلب.
[12] أخرجه أحمد في مسنده (5: 277)، (22386) من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا يردُّ القدرَ إلا الدعاءُ))، وهو حديث حسن لغيره؛ كما في التعليق على المسند (37: 68)، طبعة مؤسسة الرسالة، وانظر ما كتبتُه بإسهاب في تعليقاتي على "العقيدة الإسلامية"؛ للمكي بن عزوز (ص: 352: 355).
[13] اقتباس من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يغني حَذرٌ من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقّاه الدعاء فيَعتلِجان إلى يوم القيامة))؛ أي: يتصارعان؛ رواه الحاكم في المستدرك (1: 492)، وصحَّحه ووافقه الذهبي.
[14] اقتباس من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من فُتح له في الدعاء منكم، فتحت له أبواب الجنة))؛ رواه الحاكم في المستدرك وصححه.
[15] أخرجه أحمد 3: 18 (11133)، والبخاري في "الأدب المفرد" (710)، والحاكم في المستدرك (1859)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
[16] أخرجه الترمذي آخر أبواب ثواب القرآن (2927)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وقال: حديث حسن غريب.

Admin
Admin

المساهمات : 63
تاريخ التسجيل : 05/01/2014

https://ahlaldoaa.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى